هي أزمة، لكن لابد من معرفة أبعادها وعدم إطلاق الأحكام مبكراً .. البداية بإبتلاع قناة الجزيرة الرياضية لمنافستها "ايه آر تي" وحصولها على حقوق نقل فعاليات كأس العالم لكرة القدم وقبول الشعب العربي هذا الأمر من منطلق المثل "أحمد زي الحاج أحمد".. لن تفرق كثيراً حصرية البطولة من قناة لقناة.
لكن الجزيرة كانت مرحبة أكثر من سابقتها بفكرة بيع الحقوق وعدم الإحتفاظ بها.. صحيح كان الثمن باهظاً مع دفع الكثير من التليفزيونات العربية لمئات الملايين لبث عدد من المباريات فالتليفزيون المصري دفع 120 مليون جنيه لنقل 22 مباراة والتليفزيون السوري دفع أيضاً 10 ملايين دولار لبث عدد من المباريات هو الآخر وكذلك فعلت الكثير من التليفزيونات الأخرى.
إلى هنا وهذا الأمر يحدث في كل الدنيا، لكن ما السر وراء إعلان الجزيرة عن إذاعة نفس العدد من المباريات على القنوات المفتوحة ما يعني إعلان واضح وصريح بأنها نفس المباريات ؟ الجزيرة وجدت هنا أن مشاهدة المباريات على القنوات المشفرة سيقل بطبيعة الحال لأن أغلب البسطاء ممن لا يملكون حق شراء اشتراك الجزيرة سيفضل مشاهدة المباراة على القنوات الأرضية بدلاً من الجلوس في مقهى ومقاهي البسطاء مليئة بالمعاناة، من بعد المسافة إلى سُحُب الدخان إلى عجوز يسعل في وجهك..!
اختارت الجزيرة فكرة منافسة القنوات الأرضية على المباريات التي باعتها خصوصاً وأنه ستحسم المنافسة باستديوهات مبهرة وتغطية كبيرة من المراسلين والمحللين وغيرهم.
التليفزيون السوري حاله كحال التليفزيونات الأخرى لم يكن لديه حلول للرد –على الأقل في لحظتنا الحالية- لكن التليفزيون المصري كان لديه ورقة النايل سات .. فقام بفعلته الحمقاء في رأيي والتي تدل على ضحالة في التفكير وإنفعالية في القرار، وحتى لو كان هناك حقاً وخطأ من الجزيرة فإن ما حدث يمكن وصفه بأسلوب الهواه لكن منتهى السطحية هو إختذال دولة مثل مصر في بعض المسؤولين وهو ما ظهر في الكثير من التعليقات السطحية جداً التي طالت مصر نفسها.
الكثيرون اتهموا التليفزيون المصري بالغوغائية رغم أنهم اتهموا الجزيرة الرياضية بالإحترافية في التعامل وأنها تبحث عن حق البسطاء فيما لا يبحث التليفزيون المصري عنها بتعطيه لمتعة المشاهدة، وتناسى البعض أن الجزيرة باعت الإشتراكات بـ100 دولار مقابل الـ64 مباراة ولم تستثني الـ22 مباراة التي قررت بعد ذلك إذاعتها مباشرة.. هي بالفعل قناة محترفة تبحث عن مصلحتها ولا عيب في ذلك لكن إنتقادنا للتليفزيون المصري على فعلته الحمقاء لا يعني أن القناة القطرية بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
السؤال الذي يفرض نفسه هو .. من المذنب فعلاً ؟ برأيي أن العقد الذي وقعه الطرفان –الجزيرة والتليفزيون المصري- هو الذي سيحسم الأمر .. إن كانت هناك نقطة تمنح الجزيرة الحق في بث المباريات على القنوات غير المشفرة حتى لو باعت المباريات فالتليفزيون المصري ومسؤوليه ارتكب خطأ كبيراً وبدون دراسة الموقف أما لو كان يوجد بند ينص على عدم بث المباريات على القنوات المفتوحة التليفزيون المصري أضاع حقه الذي كان يستطيع إستعادته بالقانون وعبر رفع دعوى قضائية هو وغيره من التليفزيونات العربية التي تعرضت لنفس الموقف.
الحقيقة واضحة أيها السادة .. الكل يبحث عن مصالحه وليذهب المشاهد للجحيم ولا تصدقوا أحد .. التليفزيون المصري كان يرد على الجزيرة غير آبهاً بالمشاهد ، والجزيرة لا تذيع المباريات لعيون المشاهد فقط وإلا لكانت أعلنت عن الأمر منذ زمن بعيد بأنها ستنقل المباريات مجاناً -خصوصاً بعد أن ظُلم من دفع الـ100 دولار- وكفى المؤمنين شر القتال لكنها لم تفعل.. الجزيرة انتظرت حتى باعت المباريات ثم أذاعتها على المفتوحة وهو ما يبين بحثها هي الأخرى عن مصالحها –ولا عيب في ذلك- لكن لننسى جميعاً التعليقات من نوعية نصراء البسطاء سواء كان الجزيرة أو التليفزيون المصري.