حكاية فتاة حالمة..
في يوم من أيام هذا الزمن الرديء.. وفي زمان منسيّ عن الوجود.. وفي مكان من هذا العالم المظلم..
كنت أعيش .. أعيش وحدي .. دون أحد معي.. ورضيت.. رضيت بذاك الطريق الذي رسمه القدر لي..
ولكني كنت أبكي.. أبكي حنينا إلى شخص يجرّني إلى عالم السعادة البعيد..ويدلني عليه..
أردت الحب دوما.. وكان أسمى غاياتي.. لكني لم أحصل عليه .. ولم أصل إ ليه.. أبدا.. أبدا..
وغفت عيناها حين كانت تتمتم بتلك الكلمات.. ودموعها ضلت مرسومة على وجهها الحزين دون أن تقوى على مسحها بيديها المرتجفتين..
غفت لتبتعد عن آلآم هذا العالم القاسي.. وهذا الوجود الذي لا معنى له سوى الحزن الدفين..
غفت على الارض حيث كانت قد أوقدت شمعة لتحرق بها كل الرسائل التي كتبتها إلى ذلك المجهول.. لعله سوف ينتمي إلى عالم الواقع يوما ما.. ويسلك درب حياته معها إلى الآبد..
غفت على الأرض قرب الشمعة المشتعلة.. وقد كانت تضيء عتمة ذلك الليل الكئيب.. وقد تناثرت الخواطر والرسائل حول تلك الشعلة الصغيرة..
لم تكن تدرك أن الشمعة قد مالت لتسقط على الأرض وتبدأ بحرق الأوراق.. وتلتهم كل السطور والكلمات التي خطت فيها..
واشتعلت النيران في كل مكلن.. وغدت الغرفة الصغيرة الكئيبة كالجحيم يحتويها وهي نائمة غافلة عما حولها..
فجأة .. إنفتح باب الغرفة ويدخل خيال أسود طويل ويركض نحوها.. يعبر النيران التي التفت حولها بكل جسارة وقوة.. ويحملها خارجا بعيدا عن النيران..
وإثر ذلك أحست من نومها .. واستيقضت من سباتها.. نظرت إلى وجه منقذها.. ورأته ينظر إليها بغضب.. وراحت دموعها تجري لتغطي آثار الدموع التي ذرفتها سابقا..
أحست به يضمها إلى صدره وهو يتمتم بقلق.. فتحت عيناها ورأت دموعها قد خطت في مسيرها ط أبيض فوق قميصه الأبيض الذي اتشح بالسواد من الركام.. حاولت أن تنظفه بيديها، لكنه أحست به يمسك يدها يمنعها من فعل ذلك.. نظرت إليه بحيرة وسمعته يقول:
- لماذا إشتعلت النيران ؟.. ماذا كنت تفعلين ؟
إتسعت عيناها .. يا الهي.. ماذا ستقول ؟.. أتقول أنها أشعلت شمعة لتحرق حبها الواهم الذي خطته في أوراق بالية؟.. أم تقولأنها غفت وهي تبكي حزنا على حياتها الوحيدة دون أن تطفيء تلك الشمعة ؟
في ذلك الحين لفت نظرها ورقة كانت بيده.. وعرفت على الفور أنها إحدى كتاباتها.. وإنتابها الفزع .. لا .. كيف سيراها!.. وهل فعل ذلك ؟.. لا بالطبع لم يكن لديه الوقت الكافي.. نظرت إليه بخوف ورأته يراقبها وهو يقول بهدوء وكانه قد قرأ أفكارها:
- لقد كانت في يدك عندما أخرجتك من النيران..
مدت يدها لتأخذها منه، لكنه أبى أن يعطيها إياها.. وبدات أصابعه تفك طيات الورقة ويبدأ بقراءة محتواها..
صرخت رافضة وحاولت جهدها أن تمنعه من قراءة السطور:
- لا.. أرجوك.. أعدها لي.. لا تقرأها.. أعطني إياها..!
لكنه كان قد تجاهلها وهو يمرر عينيه على السطور يقرأها وقد رفع يده بالورقة بعيدا عن متناول يدها.. وقد تيقنت من أنه قد أنهى قراءتها عندما تمتم وهو يقرأ التوقيع بصوت عال:
- مع خالص حبي.. فتاة حالمة..
لم تستطع أن تتحمل.. لم تستطع أن تواجهه بعد أطلاعه على أعمق أسرارها.. فإستدارت راكضة تهرب منه من دون تفكير.. أو أن تسأل نفسها لماذا الهرب ؟!!
لحق بها .. وأحست به يعترض طريقها بكل تسلط وقوة.. نظر إليها بعينين تلمعان بغموض وقال:
- هل تظنين أن كل ما تطلبينه وما تتمنين هو من الأحلام ؟.. ألا تعتقدين أنه قد يتحقق ما أردته يوما ما ؟
هزّت رأسها بإستسلام وقالت بضعف:
- لا.. ليس لي.. لن يتحقق اي شيء حلمت به .. كل أحلامي ألقيتها في لهيب حزني الدائم.. ولطالما فعلت ذلك..
كانت دموعها تجري من جديد وتسيل بغزارة وهي تتكلم بحزن واسى.. وقد كانت تنظر إليه بعينان تفيضان حزنا وحرمانا وشقاء.. ثم احست بصورته أمامها تتلاشى وظنت في البداية أن ذلك بسبب ستائر دموعها الثقيلة، لكن تبين فيما بعد أنه قد أختفى تماما ..
إستيقظت من النوم وأول ما وقع نظرها عليه هو الشمعة الساكنة في مكانها وقد ذابت تقريبا .. وانها مازالت في غرفتها الصغيرة بين أوراقها الحزينة .. وأبكاها مجددا ما ادركت .. لقد أدركت أن كل ما رأته لم يكن سوى حلم جميل داعب خيالها حينما كانت نائمة.. وعادت دموعها تنهمر لتطفيء بقايا لهيب الشمة الذاوية..
الأربعاء 24 يونيو 2009, 10:47 pm من طرف jasmin