المحصول في علم المعقول
يولد كل إنسان صفراً من كل معرفة ثم يكتسب بعد ذلك جميع علومه ومعارفه عن طريق أدوات خاصة زوده الله بها تربطه بالواقع الخارجي وإلى ذلك يشير قوله تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة .. }
فالإنسان يولد خالي الذهن عن كل معرفة كما صرحت بذلك الآية الكريمة وقد أقر بذلك الفلاسفة جميعاً وإليه يشير قول أمير المؤمنين (ع) : (( وإنما قلب الحدَث كالأرض الخالية . )) نهج البلاغة كتاب 31
ومن أدوات المعرفة التي أودعها الله في الإنسان كقوى يكتسب بها معارفه وإدراكاته تنقسم إلى قسمين :
1- القوى الظاهرية الحسية : وهي الحواس الخمس.
2- والقوى الباطنية : لإدراك المعقولات الضرورية والبديهية.
ويسميان بـ ( المحسوسات ) وهي القضايا التي يحكم عليها العقل بواسطة الحس بقسميه الظاهري والباطني.
وكل ما يدركه الإنسان ويعلمه على قسمين إما :
1- ضروري : ويقال له البديهي وهو ما لا تحتاج معرفته إلى تفكير وكسب ونظر لأنه واضح ومعلوم لكل أحد لأنه يحصل بالاضطرار والبداهة التي هي المفاجأة والارتجال ومثاله : الشمس طالعة.
2- أو نظري : ويقال له الكسبي : وهو ما تحتاج معرفته إلى تفكير ونظر وتأمل لأنه غير معلوم لكل أحد . كتصورنا لحقيقة الروح والكهرباء وأن الأرض ساكنة أو متحركة حول نفسها وحول الشمس.
وبحثنا سيكون في إدراكات الإنسان الضرورية والبديهية والتي تسمى بالعلم الضروري أو البديهي والسؤال كيف يحصل للإنسان العلم بهذه الأشياء وكيف يدركها ؟
يقولون إن الذهن يشبه المرآة لكن في المرآة تنتقش صور الأجسام فقط وفي الذهن تنتقش صور المحسوسات والمعقولات وما ينتقش في الذهن يُسمى بالعلم ولذا عرفوا العلم بأنه : حصول صورة الشيء في الذهن أو انتقاش صورة الشيء في الذهن . أو الصورة الحاصلة من الشيء في الذهن.
ونجيب على سؤالنا السابق : إن الإنسان يدرك الأشياء بحسه فإذا أدركها بواسطة حسه سميت بالمحسوسات والحس على قسمين:
1- الحس الظاهري : وهو خمسة أنواع البصر والسمع والذوق والشم واللمس والقضايا المتيقنة بواسطته تسمى ( حسيّات ) كالحكم بأن الشمس مضيئة والنار حارة ، وهذه الثمرة حلوة ، وهذه الوردة طيبة الرائحة .
إن الحس من أوثق مصادر المعرفة فلو وجد إنسان فاقد لجميع الحواس لكان عاجزاً عن تصور المعارف البسيطة فضلاً عن المعارف النظرية الدقيقة فلذلك قالوا أن كل المعارف الضرورية والنظرية تنتهي إليها لأن المعارف الأخرى متوقفة على تجهز الإنسان بأدوات الحس ولذلك قيل من فقد حساً فقد فًقًد علماً ومن المسلّم أن الحس هو الينبوع الأساسي للتصورات والتصديقات البديهية والنظرية وأن من حرم لوناً من ألوان الحس لا يستطيع أن يتصور المعاني الكلية ذات العلاقة بذلك بذلك الحس الخاص ومن فقد جميع حواسه عجز عن إدراك أبسط المعارف وتصورها فلذا فهي من أعظم النعم على ابن آدم يقول تعالى في كتابه الكريم
{ وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } النحل آية 78
{ وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة } المؤمنون 78
{ ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون } 9/ السجدة
{ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } الملك آية 23
الحواس الخمس:
1- الباصرة : وهي القوة الظاهرة التي يدرك بها الأضواء والألوان والأشكال والحركات ومحلها العين فإذا نظرت إلى الكتاب انتقشت صورته في ذهنك وأدركته وهذه الصورة التي ارتسمت في ذهنك تسمى علماً تصورياً.
2- السامعة :وهي القوة الظاهرة التي يدرك بها الأصوات الضعيفة والمتوسطة والقوية ويميزها ومحلها الأذن فإذا سمعت صوتاً انتقشت صورة الصوت في ذهنك وأدركته فهذه الصورة تسمى علماً تصورياً.
3- الشامة : وهي القوة الظاهرة التي يدرك بها الروائح الطيبة والكريهة ولا أسماء لأنواعها إلا من جهة الموافقة والمخالفة والملائمة والمنافرة للطبع بأن يقال رائحة طيبة ورائحة كريهة ويختلف ذلك بحسب الأشخاص فقد تكون ملائمة لشخص وكريهة لغيره وقد يطلق عليه اسم باعتبار ما يقارنه مثل : رائحة زكية ، أو رائحة طيبة ومحلها الأنف إذا شممت رائحة انتقشت صورة الرائحة وأدركتها في ذهنك فهذه الصورة تسمى علماً تصورياً .
4- الذائقة : وهي القوة الظاهرة التي يدرك بها المطعومات من الحلو والحامض والمالح وغيرها من المذوقات ومحلها اللسان . إذا ذقت حامضاً انتقشت صورة الحموضة في ذهنك وأدركتها فهذه الصورة تسمى علماً تصورياً.
5- اللامسة : وهي القوة الظاهرة التي يدرك بها الملموسات من حيث الخشونة والنعومة والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وأمثالها.
إذا لامست جسماً ما انتقشت صورة خشونته أو لينه في ذهنك وأدركتها فهذه الصورة تسمى علماً تصورياً.
2- الحس الباطني :
والقضايا المتيقنة بواسطته تسمى ( وجدانيات ) كالعلم بأن لنا فكرة ووجوداً وألماً ولذة وخوفاً.
والمعقول ما يدركه الإنسان بغيرالقوى الظاهرية كالحب والكره والخوف والأبوة فإن هذه الأمور لا تدرك بواسطة الحواس الخمس بل تدرك بقوى أخرى تسمى الحس الباطني فنحن نعلم بأن لنا ألماً ولذة وخوفاً فإذا توجهت إلى ما يسبب الموت وخفت من الموت حصل في ذهنك أن الموت مخيفٌ وهناك أشياء كثيرة في الدنيا من هذا القبيل يدركها الإنسان عندما يجربها كالأبوة والأمومة وهذا ما يسمى بالوجدانيات في علم النفس فالحاكم هنا في هذه الأشياء الحس الباطني وهو من العلم الضروري البديهي الذي لا يحتاج إلى نظر وفكر وإنما يحصل بالاضطرار والبداهة .
وتسمى المحسوسات –بقسميها الظاهري والباطني - بالمشاهدات وهي من أقسام اليقينيات .
اتمنى ان ينال اعجابكم نقلي
ويحوز رضااااكم
الأربعاء 21 أكتوبر 2009, 11:38 am من طرف OmAr71