فلـسطين لم تعـد قضـيه العـرب المـركزية
القضية الفلسطينية التي احتلت مكان الصدارة في اهتمامات العالم العربي عقودا من الزمن، لم تعد كذلك منذ زمن الا بقدر كونها ورقة، فلم تعد القضية المركزية ولا قضية العرب الاولي، ولم تعد مقياس وطنية ولا قومية هذا البلد او ذاك، ولا هذا الزعيم او ذاك، كما لم تعد اولوية عربية ولا الحلقة التي تنطلق منها الشرارات وشعارات الوحدة العربية والكرامة العربية والحرية والتحرير.
وعلي العكس تماما اصبحت عبئا علي الجميع، والجميع يريدون التخلص منها بأي ثمن، ربما لانهم جميعا مشغولون في قضاياهم القطرية الداخلية من تنميه وارهاب وارتباطات خارجية او حفاظا علي الكرسي الذي يرمز له زورا وبهتانا بالاستقرار الداخلي، وربما لانهم ليسوا ملكيين اكثر من الملك كما يحلو للكثير منهم القول.
وبعيدا عن من هو المسؤول عما وصلت اليه الامور، تبقي حقيقة ان الجميع لهم المصلحة بذلك هي المرجحة. فالسياسة الساداتية التي لم يطل الاعتراض عليها، ما لبثت ان اصبحت السياسة الرسمية العربية، فانتجت اوسلو ثم وادي عربة ثم التطبيع المنفرد ثم الخيار العربي الاستراتيجي ثم اخيرا المبادرة العربية للسلام. لقد نجحت اسرائيل كليا في ان تخلق ظرفا ودينامية تدفع فيها الجميع الي تقديم التنازلات قبل البدء باي سلام جدي، او حتي التفاهم علي شروط السلام. فقد اعطت اتفاقيات اوسلو لاسرائيل هدية التخلي عن العبء الذي كانت تحمله في غزة، من دون ان تقدم للفلسطينيين اي مكسب حقيقي، وكانت النتيجة انفجار الوضع الفلسطيني الداخلي ثم انقلاب الصراع ضد اسرائيل الي اقتتال داخلي مدمر قطع الطريق علي امكانية نشوء دولة فلسطينية، مما ضمن لاسرائيل ابقاء مستوطناتها في الضفة الغربية وتوسيعها وفي النهاية دمجها وابتلاعها وتفصيل حل علي مقاسها، ولا يقل سوءا عن ذلك اتفاق وادي عربه مع الاردن، فلم تقدم اسرائيل حتي الآن اي تنازل في مسائل الحدود والمياه والشؤون الاقتصادية واحتفظت بالتنسيق الامني والتطبيع.
ومع ذلك تستمر اسرائيل في قطف ثمار عملية السلام المزعومة اقليميا ودوليا علي شكل تطبيع من دون اي ثمن، وبات التمسح باسرائيل وخطب ودها والتنافس علي التقرب منها ومن قادتها هو عنوان السياسة العربية وبطاقة الدخول الي العالم المتحضر. وكأن اسرائيل قد نجحت في اقناع العرب بان الالتحاق بها والتعاون معها والوقوف في صفها ضد هذا الطرف او ذاك هي معيار التقدم وعنوان السلام. والنتيجة ان اسرائيل حصلت علي السلام لكن العرب لم يحصلوا لا علي السلام ولا علي الارض ولا علي الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
ان الوصول الي السلام العادل والشامل والدائم لا يحصل بهدم المعبد علي من فيه، ولا بالتسليم للطرف الآخر والتخلي عن القضية الفلسطينية وثوابتها الوطنية، بل هو معركة كبري اصعب بكثير من معركة المواجهة العسكرية وتجربة السنوات الماضية ماثلة للعيان. فالسلام لا يمكن ان يتحقق ويستمر الا اذا كانت الصيغة التي سوف يستقر عليها ضامنة للمصالح الوطنية والقومية الاساسية لجميع الاطراف. ولا يمكن الوصول الي ذلك بالاعتماد علي امريكا، واذا استمر العرب في هذا الاندفاع نحو اسرائيل تذاكيا، فلن يكون هناك اي دافع لاسرائيل كي تستجيب لشروط السلام اذا نجحت في الحصول علي التطبيع.
ان سير العرب في دهاليز النظرية الاسرائيلية الامريكية كما هو حاصل فعلا، التطبيع قبل الانسحاب، سوف يؤكد الاقرار بالهزيمة العسكرية نهائيا وخسارة المعركة السياسية كليا، وسوف نكون عالما عربيا باع نفسة تماما ووقع في شر اعماله، ولن يكون له مشروع للمستقبل. ان الذين يعتقدون ان المستقبل مستقبلهم الشخصي او القطري او التنظيمي او العقائدي، والعمل مع اسرائيل خارج السرب سرا او علانية، وضد المشروع الجمعي العربي، هم الذين يغتالون انفسهم ويغتالون مستقبل الامة لانهم ينقلون الصراع العربي مع اسرائيل الي صراع عربي ـ عربي واقتتال داخلي كما هو حاصل بالفعل. وحتي لا نكون ضحايا الحرب والسلام علينا وقف النزيف العربي الجاري نحو اسرائيل، والنزيف الفلسطيني الداخلي والارتقاء الي مستوي المسؤولية، والحد من تقديم التنازلات المجانية قبل فوات الاوان.
الأربعاء 25 نوفمبر 2009, 3:58 pm من طرف jasmin