من أراد فعلا أن يعرف شيئا جديدا، فعليه أن يستقبله بالمحبة الممكنة، وأن يصرف نظره عن ما يبدو منه معاديا منفرا ومزيفا، بل عليه أن يتجاهله، وأن يعمل على محوه. كل معرفة جديدة منفتحة في جوهرها على إمكان المحبة وشرطها. فالمحبة تعبير إنساني بكل ما يضمه نص الوجود من مستويات الثوق والشوق، إلى بلوغ أفق الحبيب. ودون المحبة، لا يمكننا أبدا أن نجعل ذلك الذي يبدو في أعين الآخرين قبيحا أو منبوذا في أعيننا جميلا وحسنا.. وهذا ما يحدث حاليا في جميع علاقاتنا بتراثنا الفكري والثقافي، خاصة العرفاني منه، إذ كلما زدنا الابتعاد عنه زادت هوة الجرح التي أتت على جسده في التوسع، ولحظتها يمتنع كل حديث عن هوية متعددة، هوية تعي اختلافها وائتلافها، وحدتها وتوحدها، تباينها وتطابقها. فالضرورة تلزمنا أن تتراوح حيث أمكنة الآخر الذي مسه الإقصاء والتهميش. إذ في كل فهم للآخر فهم لذواتنا.. هذا الآخر الذي يتخذ من جسدنا سكنى له، ولا يمكننا تحقيق غيريتنا إلا حينما يصبح الأنا أنت، والأنت أنا.. وكل حرية للعقل مرهونة بمدى انفتاحها على إمكانات نص الوجود المليء بالحمولة الانطولوجية... حمولة تشعره بضرورة هجران الديار، وترك المكان، والالتحاق بعوالم التحاب، عوالم الصمت الأبدي الذي لن يكون في حقيقة الأمر إلا كلاما أبديا على الذات المحبة هجران أماكن الحقد والكراهية، ثقافة أصبح أصحابها يوزعون خطابات العدائية والصدام، وفي مثل هذه الظروف، تضطر الذات الحرة السفر إلى حيث المتاه، إلى أراضي الشرود والضياع في معناه الإثباتي.. وإنك لاتزال مسافرا .. كما أنت على ذلك لا يستقر بك قرار كما لم تزل تسافر في وجود إلى وجود في أطوار العالم. إلى أين أو من أين أنت مسافرُ وذاك لعمر الله أمرٌ منافرُ ففيه فسافر لا إليه ولا تكن جهولا فكم عقل عليه يثابر وهو أي السفر عند أهل الطائفة حال المسافر. والطريق هو ما يمشي فيه ويقطعه بالمعاملات والمقامات والأحوال والمعارف. والمسافر إلى الله لا ينبغي أن يربطه شيء بوطنه الأصلي كهوية في بعدها الايديولوجي، بل يجعل من كل أرض وطنه.. فأينما حل ثَمة وجه الله.. وينبغي للعارف أن يكون لديه شيء من التوجس والنية والرغبة في الاجتياز والعبور، حتما سيتعب، لكن لا يجب أن يتوقف عند مكان دائم، بل الأمكنة كلها تغدو بالنسبة إليه أمكنة للطمأنينة والسكينة، ذلك لأن المكان من الإمكان، يجد فيه المسافر حين يتعب الراحة، التي تحمله في الوقت ذاته إلى التفكير في الانتقال والترحال مجددا إلى مكان آخر.. هكذا هو كل يوم في شأن.. لم يعد من الضروري الحديث عن خارج، إذ وحده الداخل يمكّننا من بلوغ الإمكانات التي يمنحها لنا نص التحاب، إمكانات نستشعر بها عبر حرارة الحرف ولفحات العبارة
الأربعاء 10 مارس 2010, 10:41 am من طرف AlGeRieN