في انتظار أن تقول..
عندما دخل الأب على ابنه في غرفته وقال بصوت هادئ
إنه أنهى إجراءات سفره لإتمام الدراسة بالخارج وانه سيرسل
له مبلغ كذا كل شهر واوصاه بالمحافظة على الصلاة ثم غادر،
فات الابن أن ينهض صائحا وان يسرع لابيه ليضمه ويقبل
رأسه ويديه ممتنا، وفاته كذلك ان يخبره انه يحبه وانه سيفعل
كل ما بوسعه لكي يرفع رأسه ..
الحقيقة هو لم يفته كل هذا ولقد تمنى في اعماقه لو فعل لكنه
استحى من التعبير عن مشاعره بهذا الشكل المفرط وانتظر
الى ان غادر والده الغرفة لينهض قافزا ويصيح حبورا.
والده الذي غادر الغرفة قبل قليل بعد ان اودع ابنه الخبر
العظيم بهدوء تام وبدون انفعالات تذكّر أنه كان يهدر داخله
بركان من مشاعر فهو سعيد لأنه نجح في تأمين مستقبل ابنه
العلمي وهو حزين لانه سيتركه ويسافر وهو قلق لانه لا يعرف جاهزية ابنه للسفر ولحياه الغربة ..
ورغم كل هذه المشاعر
التي تضطرب في اعماقه الا انه نجح بجدارة في اخفائها وابلاغ
ابنه الخبر كأنه يطلب منه ان يذهب لشراء كتاب من مكتبة قريبة !
كان الاب يريد ان يسمح لانفعالاته ان تظهر على وجهه ..
كان يريد ويتمنى لو استطاع ان يأخذ ولده في حضنه وان
يسمح لدموع السعادة والحزن والقلق ان تنساب على وجهه ،
كان يرغب ويتمنى لو يهز ولده من كتفيه وهو يخبره انه اصبح
رجلا وانه يجب ان يثبت جدارته في الغرب .. كان يتمنى حقا
لو اخبره انه سيفتقده كثيرا وسيشتاق الى حضوره اليومي في
البيت ملء العين والخاطر .. لكنه استحى ..!
سنوات ضوئية تفصل بيننا وبين من نحب لأننا نستحي أن نخبرهم
أننا نحبهم .. الام التي تصيح على ابنتها وتشتكيها وتتذمر من
اهمالها غالبا ما تخفي ابتسامة رضا عن سلوك طيب قامت به
الابنة حتى لا تبدو ضعيفة وتعتقد الابنة انها راضية عنها !
الزوج الذي يجد في زوجته جمالا ما .. في وجهها في طبخها
في ثوبها في ابتسامتها لا يمكن ان يخبرها انها جميلة اليوم في
هذا الشيء حتى لا تتصور انها جميلة فيصيبها الغرور..
انها ثقافة عامة تغلفها قسوة عربية خالصة لا اعرف من اين
جاءتنا وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للاعرابي
الذي لم يقبل احدا من ابنائه قط (أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟)
والعجيب في الامر ان يمضي العمر بين امنية ان نخبر الآخرين
اننا نحبهم وبين الندم على اننا لم نفعل حين يغيّب الموت احدهم
دون ان يتسنى لنا ان نعبر له عن مشاعرنا ورغم تكرار هذا
الموقف على مر السنين الا ان حاجزا كبيرا صلبا يظل واقفا
امام ضعفنا وانسانيتنا يمنعنا من البوح ، و جفافا صحراويا طاغيا
يغلف علاقاتنا لا ينفع معه تقلب الفصول بين شتاء عاصف
وربيع ناعم ..
فمتى يأتي الربيع إلى مدينتنا ومتى تتفتح الزهور في قلوبنا وتثمر
المشاعر على ألسنتنا، ومتى ينطق الصامتون ويقول المحبون ويتواصل الغائبون؟
السبت 06 مارس 2010, 6:48 pm من طرف AlGeRieN